وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٨٧) ﴾
و﴿ الخوالف ﴾ ليست جمع " خَالِف " ولكنها جمع " خالفة " ؛ لأن " خَالف : لا تجمع على " فواعل "، وإنما " خالفه " هي التي تُجمَعُ على " فواعل "، وهم قد ارتضوا لأنفسهم أن يطبق عليهم الحكم الذي يُطبق على النساء.
ولذلك كانوا ﴿ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ لأنهم ارتضوا لأنفسهم وصفاً لا يليق بالرجال وفرحوا بهذا الوصف دون أن ينتبهوا لما فيه من إهانة لهم ؛ لأنهم يهربون من القتال كما تهرب النساء. والمنافق - كما قلنا - له ملكتان : ملكية قولية، وملكة قلبية. فقول المنافق إعلان بالإيمان، أما قلبه فهو ممتلئ بالكفر ؛ وفي هذه الحالة تتضارب ملكاته.
والله سبحانه وتعالى يوضح لهم : سوف نعاملكم في الدنيا بظاهر كلامكم، ونعاملكم في الآخرة بباطن قلوبكم، وسوف نطبع على هذه القلوب ؛ فلا يخرج منها كفر، ولا يدخل إليها إيمان، ولذلك قال الحق سبحانه هنا ﴿ وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ ﴾.
وقد قال الحق سبحانه :﴿ خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ... ﴾ [ البقرة : ٧ ]
وقال سبحانه :﴿ وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ... ﴾ [ التوبة : ٩٣ ]
وما دام الكافر قد أعجبه كفر قلبه ؛ فالحق سبحانه يختم على قلبه، بحيث لا يخرج ما فيه من كفر، ولا يدخل إلى قلبه ؛ ما هو خارجه من إيمان، تماماً كما تختم الشيء بالشمع الأحمر ؛ فيظل ما في داخله كما هو، وما في خارجه كما هو. ويطبع الله على قلبه ؛ فيمنع ما فيه من الكفر أن يخرج، ويمنع ما في خارجه من الإيمان أن يدخل إليه.
ويقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ والفقه هو الفهم، أي : لا يفهمون ما حُرِموا منه من ثواب ونعيم الآخرة ؛ لأنهم قد فرحوا بتخلفهم عن الجهاد، وهم يحسبون أن هذا خيراً لهم ولكنه شر لهم.