وقال صاحب المنار فى الآيات السابقة :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾
كَانَتِ الْآيَاتُ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى الْآيَةِ ٢٨ مِنْهَا فِي شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَاضْمِحْلَالِ دَوْلَةِ الشِّرْكِ، وَجَاءَتْ بِضْعُ آيَاتٍ بَعْدَهَا فِي شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ وَالْجِزْيَةِ، مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ هِدَايَةِ دِينِ أَنْبِيَائِهِمْ، يَتْلُوهَا مَا كَانَ مِنْ إِعْلَانِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لِقِتَالِ الرُّومِ فِي تَبُوكَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ الْمَعْرُوفِ. وَفِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا بَيَانُ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنِ اسْتِثْقَالِهِمْ لِلْجِهَادِ وَاسْتِئْذَانِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ، وَظُهُورِ أَمَارَاتِ نِفَاقِهِمْ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَفَضِيحَتِهِمْ فِيهَا، وَوَعِيدِهِمْ عَلَيْهَا، وَعَلَى نِفَاقِهِمُ الصَّادِرَةِ عَنْهُ. وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ وَالْعَوْدَةِ مِنْهُ. وَانْتَهَى ذَلِكَ بِالْآيَةِ الثَّمَانِينَ.
وَعَادَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى بَيَانِ حَالِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْقِتَالِ وَظَلُّوا فِي الْمَدِينَةِ. وَمَا يَجِبُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهَا، وَكُلُّ هَذَا قَدْ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ