فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِنْذَارٌ مُقَابِلٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ فَرَحِهِمْ بِالتَّخَلُّفِ، مُثْبِتٌ أَنَّهُ فَرَحٌ عَاقِبَتُهُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ وَالْخَيْبَةُ وَالنَّدَامَةُ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِي مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بَلْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا : يَظْهَرُ النِّفَاقُ وَتَرْتَفِعُ الْأَمَانَةُ، وَتُقْبَضُ الرَّحْمَةُ، وَيُتَّهَمُ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ غَيْرُ الْأَمِينِ، أَنَاخَ بِكُمُ الشُّرُفُ الْجُونُ، الْفِتَنُ كَأَمْثَالِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ الشُّرُفُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ شَارِفٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الْعَالِيَةُ السِّنِّ، وَالْجُونُ السَّوْدَاءُ، أَيِ : الْفِتَنُ الْكَبِيرَةُ الْمُظْلِمَةُ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ، وَرُوِيَ بِالْقَافِ أَيِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ مَشْرِقِ الْمَدِينَةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ إِنْذَارٌ بِالْجَزَاءِ لَا تَكْلِيفٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي فَائِدَةِ هَذَا التَّعْبِيرِ عَنِ الْخَبَرِ بِالْإِنْشَاءِ : إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَتْمٌ لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْخَبَرِ لِذَاتِهِ فِي احْتِمَالِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِيجَابِ وَهُوَ حَتْمٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْأَمْرَ بِمَا ذُكِرَ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ بِسَبَبِهِ


الصفحة التالية