وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وجاء المعذِّرون ﴾
وقرأ ابن مسعود :"المعتذرون".
وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن يعمر، ويعقوب :"المُعْذِرون" بسكون العين وتخفيف الذال.
وقرأ ابن السميفع :"المعاذرون" بألف.
قال أبو عبيدة : المعذِّرون من يعذِّر، وليس بجادّ، وإنما يعرِّض بما لا يفعله، أو يُظهر غير ما في نفسه.
وقال ابن قتيبة : يقال : عذَّرتُ في الأمر : إذا قصَّرتَ، وأعذرتُ : جَدَدْتَ.
وقال الزجاج : من قرأ "المعذِّرون" بتشديد الذال، فتأويله : المعتذرون الذين يعتذرون، كان لهم عذر، أو لم يكن، وهو هاهنا أشبه بأن يكون لهم عذر، وأنشدوا :
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَليْكُما...
ومن يَبْكِ حوْلاً كاملاً فَقَدِ اعْتَذَرْ
أي : فقد جاء بعذر.
ويجوز أن يكون ﴿ المعذِّرون ﴾ الذين يعذِّرون، يوهمون أن لهم عذراً، ولا عذر لهم.
ويجوز في النحو : المعِذِّرون، بكسر العين، والمعُذِّرون، بضم العين، غير أنه لم يُقرأ بهما، لأن اللفظ بهما يثقل.
ومن قرأ "المعْذرون" : بتسكين العين، فتأويله : الذين أُعذروا وجاؤوا بعذر.
وقال ابن الأنباري : المعذِّرون هاهنا : المعتذرون بالعذر الصحيح.
وأصل الكلمة عند أهل النحو : المعتذرون، فحوِّلت فتحة التاء إلى العين، وأبدلت الذال من التاء، وأدغمت في الذال التي بعدها، فصارتا ذالاً مشددة.
ويقال في كلام العرب : اعتذر : إذا جاء بعذر صحيح، وإذا لم يأت بعذر.
قال الله تعالى :﴿ قل لا تعتذروا ﴾ فدل على فساد العذر، وقال لبيد :
وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَاملاً فَقَد اعْتَذَر...
أي : فقد جاء بعذر صحيح.
وكان ابن عباس يقرأ :﴿ المعذِّرون ﴾ ويقول : لعن الله المعذِّرين.
يريد : لعن الله المقصِّرين من المنافقين وغيرهم.
والمعْذرون : الذين يأتون بالعذر الصحيح، فبان من هذا الكلام أن لهم عذراً على قراءة من خفف.