وَالْحِكْمَةُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ مَعَانِي الصِّيغَتَيْنِ بَيَانُ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ أُولَئِكَ الْأَعْرَابِ فِي أَعْذَارِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ عُذْرٌ صَحِيحٌ هُوَ مُوقِنٌ بِهِ، وَمَنْ لَهُ عُذْرٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُخَادِعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ عُذْرٌ ضَعِيفٌ هُوَ فِي شَكٍّ مِنْهُ إِنْ نُوقِشَ فِيهِ عَجَزَ عَنْ إِثْبَاتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْوَاقِعِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي انْتِحَالِهِ، وَهَذَا مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْعَجِيبِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا، مُبْهَمَةً إِلَّا عِنْدَ أَهْلِهَا لِلْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْهَامِهَا.
وَالْمَعْنَى : وَجَاءَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى تَبُوكَ امْتِثَالًا لِلنَّفِيرِ الْعَامِّ، مِنْ أُولِي التَّعْذِيرِ وَالْإِعْذَارِ، قَالَ الضَّحَّاكُ : هُمْ رَهْطُ
عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ جَاءُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دِفَاعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللهِ : إِنْ نَحْنُ غَزَوْنَا مَعَكَ تُغِيرُ أَعْرَابُ طَيِّئٍ عَلَى حَلَائِلِنَا وَأَوْلَادِنَا وَمَوَاشِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ :" قَدْ أَنْبَأَنِي اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيُغْنِي اللهُ عَنْكُمْ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمْ قَوْمٌ تَخَلَّفُوا بِعُذْرٍ بِإِذْنِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَقُولُ : وَظَاهِرُهُ أَنَّ عُذْرَهُمْ حَقٌّ،


الصفحة التالية
Icon