وأقول : إن الرجس هو القذارة نفسها، فلا نقول : إنهم قذرون ؛ لأننا إن قلنا ذلك فالمعنى يفيد أنهم طُهُرٌ أصابهم قذر، وهم ليسوا كذلك، إنهم " قذر " في حد ذواتهم، ولا يطهرهم شيء ؛ لأن الذي يخرج من القذارة يكون مثلها ؛ فهم خباثة لا يطهرها لَوْم أو توبيخ. وأطلق الرجس هنا مثلما قال الحق :﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ... ﴾ [ التوبة : ٢٨ ]
ولم يقل :" نجسون " بل هم أنفسهم نجس.
والرجس يطلق أيضاً على الشيء القذر حسيّاً ؛ مثل الميتة، والحق سبحانه يقول :﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ... ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ]
إذن : فالميتة قذارة حسّية، كذلك الخمر التي يقول فيها الحق :﴿ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان... ﴾ [ المائدة : ٩٠ ]
فالخمر نفسها رجس، أي : قذارة حسّية، وعطف عليها الحق - سبحانه - الميسر والأنصاب، والأزلام ؛ وأخذوا حكم الخمر، وهكذا نفهم أن الخمر رجس حسّي، بينما الأنصاب والأزلام والميسر رجس معنوي.
وهناك أيضا الرجز، ويطلق على وسوسة الشيطان، فالحق يقول :﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان... ﴾ [ الأنفال : ١١ ]
إذن : فالرجس له متعلقات ؛ معناه الكفر، والكافر هو قذارة في حَدّ ذاته لا أنه إنسان أصابته قذارة.