وقال الشوكانى :
﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ﴾
قرأ الأعرج والضحاك " المعذرون " بالتخفيف، من أعذر، ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس.
قال في الصحاح : وكان ابن عباس يقرأ " وجاء المعذرون " مخففة من أعذر، ويقول : والله هكذا أنزلت.
قال النحاس : إلا أن مدارها على الكلبي، وهي من أعذر : إذا بالغ في العذر، ومنه :" من أنذر فقد أعذر" أي : بالغ في العذر.
وقرأ الجمهور ﴿ المعذرون ﴾ بالتشديد ففيه وجهان، أحدهما : أن يكون أصله المعتذرون فأدغمت التاء في الذال، وهم : الذين لهم عذر، ومنه قول لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فالمعذرون على هذا : هم المحقون في اعتذارهم.
وقد روي هذا عن الفراء، والزجاج، وابن الأنباري، وقيل : هو من عذّر، وهو الذي يعتذر ولا عذر له، يقال عذر في الأمر : إذا قصر واعتذر بما ليس بعذر، ذكره الجوهري وصاحب الكشاف ؛ فالمعذرون على هذا : هم المبطلون، لأنهم اعتذروا بأعذار باطلة لا أصل لها.
وروي عن الأخفش، والفراء، وأبي حاتم، وأبي عبيد، أنه يجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع.
والمعنى : أنه جاء هؤلاء من الأعراب بما جاءوا به من الأعذار بحق أو بباطل على كلا التفسيرين ؛ لأجل أن يأذن لهم رسول الله ﷺ بالتخلف عن الغزو، وطائفة أخرى لم يعتذروا، بل قعدوا عن الغزو لغير عذر، وهم منافقو الأعراب الذين كذبوا الله ورسوله، ولم يؤمنوا ولا صدّقوا، ثم توعدهم الله سبحانه، فقال :﴿ سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ ﴾ أي : من الأعراب، وهم الذين اعتذروا بالأعذار الباطلة، والذين لم يعتذروا، بل كذبوا بالله ورسوله ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي : كثير الألم، فيصدق على عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.