كَفْرِهِمْ وَعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَمَا أَبْعَدَ هَذَا عَنْ حِكْمَةِ اللهِ وَعَنْ هِدَايَةِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ ؟
وَلَا يُنَافِي هَذَا التَّحْقِيقُ مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَأَصْحَابِهِمَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بِأَلَّا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُكَلِّمُوهُمْ ; إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ مَقْصُودُونَ مِنَ الْآيَاتِ بِذَوَاتِهِمْ وَشُخُوصِهِمْ كَالَّذِينِ نُهِيَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَعَلَّلَهُ بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِ، فَإِنَّهُ حَلَفَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ عَوْدَتِهِ بِأَلَّا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، وَطَلَبَ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَالْآيَاتُ أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ. وَهِيَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ بِمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِ مَقَاصِدِهِمُ الْخَفِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الِاعْتِذَارُ وَالْحَلِفُ مِنْ سَجَايَاهُمْ
الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ كَثْرَةَ الْحَلِفِ ; لِشُعُورِ الْمُنَافِقِ دَائِمًا بِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ.


الصفحة التالية
Icon