الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ فَائِدَةُ الْقَوْلِ : اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، فَكَانَ مِمَّا عَلَّمَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبُ وَالْأَعْرَابُ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نُبَالِي كَيْفَ كَانَتْ كَيْفِيَّةُ التَّعَلُّمِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَادِمَةِ قَبْلَنَا، وَقَبْلَ فَسَادِ اللُّغَةِ، فَكَانَ هَذَا اسْمَ اللِّسَانِ، وَاسْمَ الْقَبِيلَةِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا سَيِّدَهَا، بَلْ سَيِّدَ الْأُمَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَى اللَّهُ لَهَا اسْمًا شَرِيفًا، وَهُوَ نَبِيٌّ، رَسُولٌ إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهَا فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ وَالْقَبَسِ وَغَيْرِهِ، وَأَعْطَى مَنْ آثَرَ دِينَهُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ اسْمًا أَشْرَفَ مِنْ " عَرَبٍ " وَمِنْ " قُرَشٍ " وَهُوَ " هَجَرَ " فَقَالَ : الْمُهَاجِرُونَ، وَأَعْطَى مَنْ آوَى وَنَاضَلَ اسْمًا أَشْرَفَ مِنْ الَّذِي كَانَ وَهُوَ " نَصْرٌ " فَقَالَ : الْأَنْصَارُ، وَعَمَّهُمْ بِاسْمٍ كَرِيمٍ شَرِيفِ الْمَوْضِعِ وَالْمَقْطَعِ، وَهُوَ
" صَحْبٌ " فَقَالَ : أَصْحَابِي، وَأَعْطَى مَنْ لَمْ يَرَهُ حَظًّا فِي التَّشْرِيفِ بِاسْمٍ عَامٍّ يَدْخُلُونَ بِهِ فِي الْحُرْمَةِ، وَهِيَ الْأُخُوَّةُ، فَقَالَ :﴿ وَدَدْتُ أَنِّي رَأَيْت إخْوَانَنَا.
قُلْنَا : أَلَسْنَا بِإِخْوَانِك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ ﴾ فَمَنْ دَخَلَ فِي الْهِجْرَةِ أَوْ تَرَسَّمَ بِالنُّصْرَةِ فَقَدْ كَمُلَ لَهُ شَرَفُ الصُّحْبَةِ، وَمَنْ بَقِيَ عَلَى رَسْمِهِ الْأَوَّلِ بَقِيَ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْأَوَّلُ، وَهُمْ الْأَعْرَابُ.