وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ﴾
فيه مسألتان :
الأُولى لما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجاً منها ونائياً عنها من الأعراب ؛ فقال كفرهم أشد.
قال قتادة : لأنهم أبعد عن معرفة السنن.
وقيل : لأنهم أقسى قلباً وأجفى قولاً وأغلظ طبعاً وأبعد عن سماع التنزيل ؛ ولذلك قال الله تعالى في حقهم :﴿ وَأَجْدَرُ ﴾ أي أخلق.
﴿ أَلاَّ يَعْلَمُواْ ﴾ "أن" في موضع نصب بحذف الباء ؛ تقول : أنت جدير بأن تفعل وأن تفعل ؛ فإذا حذفت الباء لم يصلح إلا ب "أن"، وإن أتيت بالباء صلح ب "أن" وغيره ؛ تقول : أنت جدير أن تقوم، وجدير بالقيام.
ولو قلت : أنت جدير القيام كان خطأ.
وإنما صلح مع "أن" لأن أن يدل على الاستقبال فكأنها عوض من المحذوف.
﴿ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله ﴾ أي فرائض الشرع.
وقيل : حجج الله في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم.
الثانية ولما كان ذلك ودل على نقصهم وحطهم عن المرتبة الكاملة عن سواهم ترتبت على ذلك أحكام ثلاثة :
أوّلها لا حق لهم في الفيء والغنيمة ؛ كما قال النبيّ ﷺ في صحيح مسلم من حديث بريدة، وفيه :" ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحوّلوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ".
وثانيها إسقاط شهادة أهل البادية عن الحاضرة ؛ لما في ذلك من تحقق التهمة.
وأجازها أبو حنيفة قال : لأنها لا تراعي كل تُهمَة، والمسلمون كلهم عنده على العدالة.
وأجازها الشافعيّ إذا كان عدلاً مرضياً ؛ وهو الصحيح لما بيناه في "البقرة".
وقد وصف الله تعالى الأعراب هنا أوصافاً ثلاثة : أحدها بالكفر والنفاق.