فصل
قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما ذكر الضعفاء والمرضى والفقراء، بين أنه يجوز لهم التخلف عن الجهاد بشرط أن يكونوا ناصحين لله ورسوله، وبين كونهم محسنين، وأنه ليس لأحد عليهم سبيل، ذكر قسماً رابعاً من المعذورين، فقال :﴿وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لآ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَناً ألاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ﴾.
فإن قيل : أليس أن هؤلاء داخلون تحت قوله :﴿وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ﴾ فما الفائدة في إعادته ؟
قلنا : الذين لا يجدون ما ينفقون، هم الفقراء الذين ليس معهم دون النفقة، وهؤلاء المذكورون في الآية الأخيرة هم الذين ملكوا قدر النفقة، إلا أنهم لم يجدوا المركوب، والمفسرون ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوهاً : الأول : قال مجاهد : هم ثلاثة إخوة : معقل، وسويد، والنعمان بنو مقرن، سألوا النبي ﷺ أن يحملهم على الخفاف المدبوغة، والنعال المخصوفة، فقال عليه السلام :" لا أجد ما أحملكم عليه " فتولوا وهم يبكون، والثاني : قال الحسن : نزلت في أبي موسى الأشعري وأصحابه، أتوا رسول الله ﷺ يستحملونه، ووافق ذلك منه غضباً، فقال عليه السلام :" والله ما أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه " فتولوا وهم يبكون فدعاهم رسول الله ﷺ، فأعطاهم ذوداً خير الذود، فقال أبو موسى : ألست حلفت يا رسول الله ؟ فقال :" أما أني إن شاء الله لا أحلف بيمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمين "
والرواية الثالثة : قال ابن عباس رضي الله عنهما : سألوه أن يحملهم على الدواب فقال عليه السلام :" لا أجد ما أحملكم عليه " لأن الشقة بعيدة.
والرجل يحتاج إلى بعيرين، بعير يركبه وبعير يحمل عليه ماءه وزاده.