وأما إن أخذنا بقراءة التشديد، وفسرناها بالمعتذرين، فعلى هذا التقدير : يحتمل أنهم كانوا صادقين وأنهم كانوا كاذبين، ومن المفسرين من قال : المعذرون كانوا صادقين بدليل أنه تعالى لما ذكرهم قال بعدهم :﴿وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ فلما ميزهم عن الكاذبين دل ذلك على أنهم ليسوا بكاذبين.
وروى الواحدي بإسناده عن أبي عمرو : أنه لما قيل له هذا الكلام قال : إن أقواماً تكلفوا عذراً بباطل، فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله :﴿وَجَاء المعذرون﴾ وتخلف الآخرون لا لعذر ولا لشبهة عذر جراءة على الله تعالى، فهم المرادون بقوله :﴿وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ والذي قاله أبو عمرو محتمل، إلا أن الأول أظهر.
وقوله :﴿وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ وهم منافقو الأعراب الذين ما جاؤوا وما اعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان.
وقرأ أبي ﴿كَذَّبُواْ﴾ بالتشديد ﴿سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، وإنما قال :﴿مِنْهُمْ﴾ لأنه تعالى كان عالماً بأن بعضهم سيؤمن ويتخلص عن هذا العقاب، فذكر لفظة من الدالة على التبعيض. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١٢٦ ـ ١٢٧﴾