ثم قال تعالى :﴿لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ وهو كقوله :﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ﴾ والمعنى أنهم تمردوا في حرفة النفاق فصاروا فيها أستاذين، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك.
ثم قال :﴿سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ وذكروا في تفسير المرتين وجوهاً كثيرة :
الوجه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الأمراض في الدنيا، وعذاب الآخرة، وذلك أن مرض المؤمن يفيده تكفير السيئات، ومرض الكافر يفيده زيادة الكفر وكفران النعم.
الوجه الثاني : روى السدي عن أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قام خطيباً يوم الجمعة فقال :" اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق " فأخرج من المسجد ناساً وفضحهم فهذا هو العذاب الأول، والثاني عذاب القبر.
والوجه الثالث : قال مجاهد : في الدنيا بالقتل والسبي وبعد ذلك بعذاب القبر.
والوجه الرابع : قال قتادة بالدبيلة وعذاب القبر، وذلك أن النبي عليه السلام أسر إلى حذيفة اثني عشر رجلاً من المنافقين، وقال : ستة يبتليهم الله بالدبيلة سراج من نار يأخذ أحدهم حتى يخرج من صدره، وستة يموتون موتاً.
والوجه الخامس : قال الحسن : يأخذ الزكاة من أموالهم، وعذاب القبر.
والوجه السادس : قال محمد بن إسحق : هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه من غير حسنة، ثم عذابهم في القبور.
والوجه السابع : أحد العذابين ضرب الملائكة الوجوه والأدبار.
والآخر عند البعث، يوكل بهم عنق النار.
والأولى أن يقال مراتب الحياة ثلاثة : حياة الدنيا، وحياة القبر، وحياة القيامة، فقوله :﴿سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ المراد منه عذاب الدنيا بجميع أقسامه، وعذاب القبر.
وقوله :﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ المرا دمنه العذاب في الحياة الثالثة، وهي الحياة في القيامة.
ثم قال تعالى في آخر الآية :﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ يعني النار المخلدة المؤبدة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١٣٧ ـ ١٣٨﴾


الصفحة التالية
Icon