وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأعراب مُنَافِقُونَ ﴾
ابتداء وخبر.
أي قوم منافقون ؛ يعني مُزَينة وجُهَينة وأسْلَم وغِفَار وأَشْجَعَ.
﴿ وَمِنْ أَهْلِ المدينة مَرَدُواْ عَلَى النفاق ﴾ أي قوم مردوا على النفاق.
وقيل :"مردوا" من نعت المنافقين ؛ فيكون في الكلام تقديم وتأخير، المعنى.
وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق، ومن أهل المدينة مثل ذلك.
ومعنى :"مرَدُوا" أقاموا ولم يتوبوا ؛ عن ابن زيد.
وقال غيره : لَجوَّا فيه وأبوْا غيره ؛ والمعنى متقارب.
وأصل الكلمة من اللّين والملامسة والتجرّد ؛ فكأنهم تجرّدوا للنفاق.
ومنه رملة مرداء لا نبت فيها.
وغُصن أمْرَد لا ورق عليه.
وفرس أمْرد لا شعر على ثُنّتِه.
وغلام أمرد بيّن المَرَد ؛ ولا يقال : جارية مرداء.
وتمريد البناء تمليسه ؛ ومنه قوله :﴿ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ﴾ [ النمل : ٤٤ ].
وتمريد الغصن تجريده من الورق ؛ يقال : مَرَد يَمْرُد مُروداً ومَرَادة.
قوله تعالى :﴿ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ هو مثل قوله :﴿ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٦٠ ] على ما تقدّم.
وقيل : المعنى لا تعلم يا محمد عاقبة أمورهم وإنما نختص نحن بعلمها ؛ وهذا يمنع أن يحكم على أحد بجنة أو نار.
قوله تعالى :﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ قال ابن عباس : بالأمراض في الدنيا وعذاب الآخرة.
فمرض المؤمن كفارة، ومرض الكفار عقوبة.
وقيل : العذاب الأوّل الفضيحة باطلاع النبيّ ﷺ عليهم ؛ على ما يأتي بيانه في المنافقين.
والعذاب الثاني عذاب القبر.
الحسن وقتادة : عذاب الدنيا وعذاب القبر.
ابن زيد : الأوّل بالمصائب في أموالهم وأولادهم، والثاني عذاب القبر.
مجاهد : الجوع والقتل.
الفراء : القتل وعذاب القبر.


الصفحة التالية
Icon