وقال ابن زيد : أقاموا عليه لم يتوبوا لا تعلمهم أي : حتى نعلمك بهم، أو لا تعلم عواقب أمرهم، حكاه ابن الجوزي.
أو لا تعلمهم منافقين، لأن النفاق مختص بالقلب.
وتقدم لفظ منافقين فدل على المحذوف، فتعدت إلى اثنين قاله : الكرماني.
وقال الزمخشري : يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط توقيهم ما يشكك في أمرهم.
وأسند الطبري عن قتادة في قوله : لا تعلمهم نحن نعلمهم قال : فما بال أقوام يتكلفون علم الناس؟ فلان في الجنة، فلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه الرسل.
قال نبي الله نوح :﴿ وما علمي بما كانوا يعملون ﴾ وقال نبي الله شعيب :﴿ بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ وقال الله تعالى لنبيه :﴿ لا تعلمهم نحن نعلمهم ﴾ انتهى.
فلو عاش قتادة إلى هذا العصر الذي هو قرن ثمانمائة وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ( ﷺ )، والتجري على الإخبار الكاذب عن المغيبات، لقضى من ذلك العجب.
وما كنت أظن أنّ مثل ما حكى قتادة يقع في ذلك الزمان لقربه من الصحابة وكثرة الخير، لكن شياطين الإنس يبعد أن يخلو منهم زمان.
نحن نعلمهم.
قال الزمخشري : نطلع على سرهم، لأنهم يبطنون الكفر في سويداء قلوبهم إبطاناً، ويبرزون لك ظاهراً كظاهر المخلصين من المؤمنين، لا تشك معه في إيمانهم، وذلك أنهم مردوا على النفاق وضروبه، ولهم فيه اليد الطولى انتهى.
وفي قوله : نحن نعلمهم تهديد وترتب عليه بقوله : سنعذبهم مرتين.
والظاهر إرادة التثنية ويحتمل أن يكون لا يراد بها شفع الواحد، بل يكون المعنى على التكثير كقوله :﴿ ثم ارجع البصر كرتين ﴾ أي كرة بعد كرة.
كذلك يكون معنى هذا سنعذبهم مرة بعد مرة.


الصفحة التالية
Icon