وقوله عز وجل :﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ تقريرٌ لما سبق من مهارتهم في فن النفاقِ أي لا يقف على سرائرهم المركوزةِ في ضمائرهم إلا مَنْ لا تخفى عليه خافيةٌ لِما هم عليه من شدة الاهتمامِ بإبطان الكفرِ وإظهارِ الإخلاصِ، وفي تعليق العلمِ بهم مع أن المقصودَ بيانُ تعلقِه بحالهم ما مر في تعليق نفيِه بهم، وقولُه عز شأنُه :﴿ سَنُعَذّبُهُم ﴾ وعيدٌ لهم وتحقيقٌ لعذابهم حسبما علم الله فيهم من موجباته، والسين للتأكيد ﴿ مَّرَّتَيْنِ ﴾ عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي ﷺ قام خطيباً يوم الجمعة فقال :"اخرُجْ يا فلانُ فإنك منافقٌ اخرجْ يا فلان فإنك منافقٌ" فأخرج ناساًوفضحَهم فهذا هو العذابُ الأولُ، والثاني إما القتلُ وإما عذابُ القبرِ أو الأولُ هو القتلُ والثاني عذابُ القبرِ أو الأولُ أخذُ الزكاةِ لما أنهم يعُدّونها مغرماً بحتاً والثاني نهكُ الأبدان وإتعابُها بالطاعات الفارغةِ عن الثواب. ولعل تكريرَ عذابِهم لما فيهم من الكفر المشفوعِ بالنفاق أو النفاقِ المؤكدِ بالتمرد فيه، ويجوز أن يكون المرادُ بالمرتين مجردَ التكثيرِ كما في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾ أي كرةً بعد أخرى ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ ﴾ يوم القيامة ﴿ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ هو عذابُ النارِ، وفي تغيير السبكِ بإسناد عذابِهم السابقِ إلى نونِ العظمةِ حسب إسنادِ ما قبله من العلم وإسناد ردِّهم إلى العذاب الللاحقِ إلى أنفسهم إيذانٌ باختلافهم حالاً وأن الأولَ خاصٌّ بهم وقوعاً وزماناً يتولاه سبحانه وتعالى والثاني شاملٌ لعامة الكفرةِ وقوعاً وزماناً وإن اختلفت طبقاتُ عذابِهم. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon