وقال الآلوسى :
﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا ﴾
﴿ وَمِنَ الأعراب ﴾ أي من جنسهم الذي نعت بنعت بعض أفراده.
وقيل : من الفريق المذكور ﴿ مَن يَتَّخِذُ ﴾ أي يعد ﴿ مَا يُنفِقُ ﴾ أي يصرفه في سبيل الله تعالى ويتصدق به كما يقتضيه المقام ﴿ مَغْرَمًا ﴾ أي غرامة وخسراناً من الغرا بمعنى الهلاك، وقيل : من الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير جناية، وأصله من الملازمة ومنه قيل لكل من المتداينين غريم، وإنما أعدوه كذلك لأنهم لا ينفقونه احتساباً ورجاء لثواب الله تعالى ليكون لهم مغنما وإنما ينفقونه تقية ورئاء الناس فيكون غرامة محضة، وما في صيغة الاتخاذ من معنى الاختيار والانتفاع بما يتخذ إنما هو باعتبار غرض المنفق من الرياء والتقية لا باعتبار ذات النفقة أعني كونها غرامة ﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر ﴾ أي ينتظر بكم نوب الدهر ومصائبه التي تحيط بالمرء لينقلب بها أمركم ويتبدل بها حالكم فيتخلص مما ابتلي به ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء ﴾ دعاء عليهم بنحو ما يتربصون به، وهو اعتراض بين كلامين كما في قوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ﴾ [ المائدة : ٦٤ ] الخ، وجوز أن تكون الجملة اخباراً عن وقوع ما يتربصون به عليهم، والدائرة اسم للنائبة وهي في الأصل مصدر كالعافية والكاذبة أو اسم فاعل من دار يدور وقدم تمام الكلام عليها، و﴿ السوء ﴾ في الأصل مصدر أيضاً ثم أطلق على كل ضرر وشر وقد كان وصفاً للدائرة ثم أضيفت إليه فالإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته كما في قولك : رجل صدق وفيه من المبالغة ما فيه، وعلى ذلك قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْء ﴾ [ مريم : ٢٨ ] وقيل : معنى الدائرة يقتضي معنى السوء فالإضافة للبيان والتأكيد كما قالوا : شمس النهار ولحيا رأسه.
وقرأ ابن كثير.


الصفحة التالية