البحث الثاني : قال أصحابنا قوله :﴿عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ صريح في أن التوبة لا تحصل إلا من خلق الله تعالى، والعقل أيضاً دليل عليه، لأن الأصل في التوبة الندم، والندم لا يحصل باختيار العبد لأن إرادة الفعل والترك إن كانت فعلاً للعبد افتقر في فعلها إلى إرادة أخرى، وأيضاً فإن الإنسان قد يكون عظيم الرغبة في فعل معين، ثم يصير عظيم الندامة عليه، وحال كونه راغباً فيه لا يمكنه دفع تلك الرغبة عن القلب، وحال صيرورته نادماً عليه لا يمكنه دفع تلك الندامة عن القلب، فدل هذا على أنه لا قدرة للعبد على تحصل الندامة، وعلى تحصيل الرغبة، قالت المعتزلة : المراد من قوله : يتوب الله أنه يقبل توبته.
والجواب : أن الصرف عن الظاهر إنما يحسن، إذا ثبت بالدليل أنه لا يمكن إجراء اللفظ على ظاهره، أما ههنا، فالدليل العقلي أنه لا يمكن إجراء اللفظ إلا على ظاهره، فكيف يحسن التأويل.
البحث الثالث : قوله :﴿عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ يقتضي أن هذه التوبة إنما تحصل في المستقبل.
وقوله :﴿وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ دل على أن ذلك الاعتراف حصل في الماضي، وذلك يدل على أن ذلك الاعتراف ما كان نفس التوبة، بل كان مقدمة للتوبة، وأن التوبة إنما تحصل بعدها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١٣٩ ـ ١٤٠﴾


الصفحة التالية
Icon