ولماذا قال الحق :﴿ الدوائر ﴾ ؟ نعلم أن الخطْبَ الشديد حين يصيب الإنسان أو القوم إن كان فظيعاً وقويّاً يقال :" دارت عليهم الدوائر ". أي أن المصيبة أحاطت بهم ؛ فلا منفذ لهم يخرجون منه، وكان بعض من الأعراب يتربصون بالمسلمين الدوائر ؛ لأنهم كارهون لدفع الزكاة ويظنون أنها غرامة، ولا يستوعبون أن الزكاة تُكْتب في الميزان، وأنها تطهير ونماء للمال، وأنها حمل لعجز العاجز، إن عجز الواحد منهم ؛ فسوف يجد من يحمله.
والذي يتربص بكم الدوائر، ولا يفطن إلى حكمة الأخذ منه، هو الذي تأتي عليه دائرة السوء مصداقاً لقوله الحق :﴿ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ؛ لأن أيّاً منهم لم يفطن وينتبه لقيمة الوجود في المجتمع الإيماني الذي يعطي له الزكاة إن عجز، فإن تربصت الدائرة بمن يأخذ منك، ولم تفطن إلى أن من يأخذ منك يصح أن يأخذ من الغير لك ؛ فسوف تأتي الدائرة عليك.
وقوله الحق :﴿ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء ﴾ تبدو كأنها دعوة، ومن الذي يدعو؟ إنه الله.
وهناك فرق بين أن يدعو غير قادر، وبين أن يدعو قادراً. إن كان ربنا هو من يقول :﴿ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء ﴾، فدائرة السوء قادمة لهم لا محالة.
وينهي الحق الآية :﴿ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، فسبحانه يسمع كلماتهم حين يأتي عامل الزكاة ليأخذ نصاب الزكاة، وكيف كانوا يستقبلونه بما يكره، وقد يكرهون في طي نفوسهم ولا يتكلمون، فإن تكلموا فالله سميع، وإن لم يتكلموا، وكتموا الكراهية في قلوبهم، فالله عليم، إذن : فهم محاصرون بعلم الله وسمعه.
وبعد ذلك جاء الحق سبحانه للصنف الثاني، وهم من لهم قليل من الإلف، فإن كان من أهل البادية فله أهل من الحضر، أو كان من الحضر فله أهل من البادية فيقول سبحانه :﴿ وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ... ﴾. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon