وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
ومن هؤلاء من يؤمن بالله، ويؤمن باليوم الآخر، وما ينفقه من زكاة أو صدقة فهو يتخذه قربى إلى الله الذي آمن به، وكنزاً له في اليوم الآخر، و " قربى " : أي : شيء يقربه إلى الله ؛ يدخره له في اليوم الآخر، وقوله الحق :﴿ وَصَلَوَاتِ الرسول ﴾ أي : يجعل ما ينفق قربة إلى الله وكذلك طلباً لدعاء الرسول ؛ لأن الصلاة في الأصل هي الدعاء، فساعة يصل إلى رسول الله ﷺ نفقة للمسلمين الضعاف ممن يعتبرها قربة، فهو ﷺ يدعو له.
وقد قال ﷺ :" اللهم اغفر لآل أبي أوفى، وبارك لهم "
وقد دعا بذلك حين جاء له ما تزكى وتصدق به بنو أبي أوفى، ودعوة الرسول مجابة إلا ما قال الله إنه سبحانه لا يجيبه لحكمة.
ولقائل أن يقول ألا يعلم من يقدم الزكاة والصدقة قربى، أنه سبحانه غير مستفيد من هذا الحمل؟ ألا يعلم أنها قربى له شخصيّاً؟ نعم إنه يعلم، ويعلم أن الله يثيبه على أمر ينتفع به الفقراء، وفي هذه إشارة إلى أن كل تكليف من الله إنما يعود نفعه إلى المكلَّف لا إلى المكلِّف. وما دام العائد إلى المكلَّف ؛ فالله يدعو لصالح ذاتك وإلى خير لك.
ومن اعتبرها قربى إلى الله يأت لهم القول الحق :﴿ ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ ﴾ وقد قال ذلك للأعراب الذين أنفقوا قربى لله، وطمعاً في دعوات الرسول ﷺ، فأوضح لهم سبحانه أنها قربى لهم ؛ لأنهم المنتفعون بها، وأنه سيدخلهم في رحمته. ورحمة الله هي نعيم مقيم، وهي دائمة وباقية ببقاء الله الذي لا يُحَدّ، أما الجنة فباقية وخالدة. بإبقاء الله لها. إذن : فدخولك في رحمة الله أعلى من دخولك جنته.
فحين يقال :" دخل في الرحمة " فمعنى ذلك أن الرحمة ستظله إلى ما لا نهاية.