اختلفوا في أن المدح الحاصل في هذه الآية هل يتناول جميع الصحابة أم يتناول بعضهم ؟ فقال قوم : إنه يتناول الذين سبقوا في الهجرة والنصرة، وعلى هذا فهو لا يتناول إلا قدماء الصحابة، لأن كلمة ﴿مِنْ﴾ تفيد التبعيض، ومنهم من قال : بل يتناول جميع الصحابة، لأن جملة الصحابة موصوفون بكونهم سابقين أولين بالنسبة إلى سائر المسلمين، وكلمة ﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿مِنَ المهاجرين والأنصار﴾ ليست للتبعيض، بل للتبيين، أي والسابقون الأولون الموصوفون بوصف كونهم مهاجرين وأنصاراً كما في قوله تعالى :﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ [ الحج : ٣٠ ] وكثير من الناس ذهبوا إلى هذا القول، روي عن حميد بن زياد أنه قال : قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب الرسول عليه السلام فيما كان بينهم، وأردت الفتن، فقال لي : إن الله تعالى قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له : وفي أي موضع أوجب لهم الجنة ؟ قال : سبحان الله! ألا تقرأ قوله تعالى :﴿والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار﴾ إلى آخر الآية ؟ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي عليه السلام الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً شرطه عليهم.
قلت : وما ذاك الشرط ؟ قال : اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان في العمل، وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك، أو يقال : المراد أن يتبعوهم بإحسان في القول، وهو أن لا يقولوا فيهم سوءا، وأن لا يوجهوا الطعن فيما أقدموا عليه.
قال حميد بن زياد : فكأني ما قرأت هذه الآية قط!.
المسألة الثالثة :