قوله :﴿وَيَأْخُذُ الصدقات﴾ فيه سؤال : وهو أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الآخذ هو الله وقوله :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ يدل على أن الآخذ هو الرسول عليه الصلاة والسلام وقوله عليه السلام لمعاذ :
" خذها من أغنيائهم " يدل على أن آخذ تلك الصدقات هو معاذ وإذا دفعت الصدقة إلى الفقير فالحس يشهد أن آخذها هو الفقير فكيف الجمع بين هذه الألفاظ ؟
والجواب من وجهين : الأول : أنه تعالى لما بين في قوله :﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾ أن الآخذ هو الرسول، ثم ذكر في هذه الآية أن الآخذ هو الله تعالى، كان المقصود منه أن أخذ الرسول قائم مقام أخذ الله تعالى، والمقصود منه التنبيه على تعظيم شأن الرسول من حيث إن أخذه للصدقة جار مجرى أن يأخذها الله، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ] وقوله :﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ] والمراد منه إيذاء النبي عليه السلام.
والجواب الثاني : أنه أضيف إلى الرسول عليه السلام بمعنى أنه يأمر بأخذها ويبلغ حكم الله في هذه الواقعة إلى الناس، وأضيف إلى الفقير بمعنى أنه هو الذي يباشر الأخذ، ونظيره أنه تعالى أضاف التوفي إلى نفسه بقوله تعالى :﴿وَهُوَ الذى يتوفاكم﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] وأضافه إلى ملك الموت، وهو قوله تعالى :﴿قُلْ يتوفاكم مَّلَكُ الموت﴾ [ السجدة : ١١ ] وأضافه إلى الملائكة الذين هم أتباع ملك الموت، وهو قوله :﴿حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [ الأنعام : ٦١ ] فأضيف إلى الله بالخلق وإلى ملك الموت للرياسة في ذلك النوع من العمل، وإلى أتباع ملك الموت، يعني أنهم هم الذين يباشرون الأعمال التي عندها يخلق الله الموت، فكذا ههنا.


الصفحة التالية
Icon