وقال الآلوسى :
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ ﴾ الضمير إما للمتوب عليهم والمراد تمكين قبول توبتهم في قلوبهم والاعتداد بصدقاتهم وإما لغيرهم والمراد التحضيض على التوبة والصدقة والترغيب فيهما.
وقرىء ﴿ تَعْلَمُواْ ﴾ بالتاء وهو على الأول التفات وعلى الثاني بتقدير قل، وجوز أن يكون الضمير للتائبين وغيرهم على أن يكون المقصود التمكين والتحضيض لا غير، واختار بعضهم كونه للغير لا غير لما روي أنه لما نزلت توبة هؤلاء التائبين قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم اليوم فنزلت، ويشعر صنيع الجمهور باختيار الأول وهو الذي يقتضيه سياق الآية، والخبر لما نقف على سند له يعول عليه أي ألم يعلم هؤلاء التائبون ﴿ أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة ﴾ الصحيحة الخالصة ﴿ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ المخلصين فيها، وتعدية القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز والعفو أي يقبل ذلك متجاوزاً عن ذنوبهم التي تابوا عنها، وقيل : عن بمعنى من والضمير إما للتأكيد أوله مع التخصيص بمعنى ان الله سبحانه يقبل التوبة لا غيره أي إنه تعالى يفعل ذلك البتة لما قرر أن ضمير الفصل يفيد ذلك والخبر المضارع من مواقعه، وجعل بعضهم التخصيص بالنسبة إلى الرسول ﷺ أي أنه جل وعلا يقبل التوبة لا رسوله عليه الصلاة والسلام لأن كثرة رجوعهم إليه مظنة لتوهم ذلك، والمراد بالعباد إما أولئك التائبون ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلية ما يشير إليه القبول وإما كافة العباد وهم داخلون في ذلك دخولاً أولياً ﴿ وَيَأْخُذُ الصدقات ﴾ أي يقبلها قبول من يأخذ شيئاً ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول، وجوز أن يكون إسناد الأخذ إلى الله تعالى مجازاً مرسلاً، وقيل : نسبة الأخذ إلى الرسول في قوله سبحانه :﴿ خُذِ ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ] ثم نسبته إلى ذاته تعالى إشارة إلى أن أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام قائم مقام أخذ الله تعالى تعظيماً لشأن نبيه ﷺ كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله ﴾ [ الفتح : ١٠ ] فهو على حقيقته وهو معنى حسن إلا أن في دعوى


الصفحة التالية
Icon