الوجه الأول : أن أجدر ما يدعو المرء إلى العمل الصالح ما يحصل له من المدح والتعظيم والعز الذي يلحقه عند ذلك، فإذا علم أنه إذا فعل ذلك الفعل عظمه الرسول والمؤمنون، عظم فرحه بذلك وقويت رغبته فيه، ومما ينبه على هذه الدقيقة أنه ذكر رؤية الله تعالى أولاً، ثم ذكر عقيبها رؤية الرسول عليه السلام والمؤمنين، فكأنه قيل : إن كنت من المحقين المحققين في عبودية الحق، فاعمل الأعمال الصالحة لله تعالى، وإن كنت من الضعفاء المشغولين بثناء الخلق فاعمل الأعمال الصالحة لتفوز بثناء الخلق، وهو الرسول والمؤمنون.
الوجه الثاني : في الجواب ما ذكره أبو مسلم : أن المؤمنين شهداء الله يوم القيامة كما قال :﴿وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] الآية، والرسول شهيد الأمة، كما قال :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً﴾ [ النساء : ٤١ ] فثبت أن الرسول والمؤمنين شهداء الله يوم القيامة، والشهادة لا تصح إلا بعد الرؤية، فذكر الله أن الرسول عليه السلام والمؤمنين يرون أعمالهم، والمقصود التنبيه على أنهم يشهدون يوم القيامة عند حضور الأولين والآخرين، بأنهم أهل الصدق والسداد والعفاف والرشاد.
ثم قال تعالى :﴿وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الغيب ما يسرونه، والشهادة ما يظهرونه.
وأقول لا يبعد أن يكون الغيب ما حصل في قلوبهم من الدواعي والصوارف، والشهادة الأعمال التي تظهر على جوارحهم، وأقول أيضاً مذهب حكماء الإسلام أن الموجودات الغائبة عن الحواس علل أو كالعلل للموجودات المحسوسات، وعندهم أن العلم بالعلة علة للعلم بالمعلول.
فوجب كون العلم بالغيب سابقاً على العلم بالشهادة، فلهذا السبب أينما جاء هذا الكلام في القرآن كان الغيب مقدماً على الشهادة.
المسألة الثانية :