ووجهُ تقديمِ الغيبِ في الذكر لسعة عالَمِه وزيادةِ خطرِه على الشهادة غنيٌّ عن البيان. وقيل : إن الموجوداتِ الغائبةَ عن الحواس عللٌ أو كالعلل للموجودات المحسوسةِ والعلمُ بالعلل علةٌ للعلم بالمعلومات فوجب سبقُ العلمِ بالغيب على العلم بالشهادة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما الغيبُ ما يُسِرّونه من الأعمال، والشهادةُ ما يظهرونه كقوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ فالتقديمُ حينئذ لتحقيق أن نسبةَ علمِه المحيطِ بالسر والعلنِ واحدةٌ على أبلغ وجهٍ وآكَدِه لا لإيهام أن علمَه سبحانه بما يسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزهٌ عن أن يكون بطريق حصولِ الصورة بل وجودُ كل شيءٍ وتحققُه في نفسه علمٌ بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحالُ بين الأمور البارزةِ والكامنةِ، وإما للإيذان بأن رتبةَ السرِّ متقدمةٌ على رتبة العلن، إذ ما من شيء يُعلن إلا وهو أو مباديه القريبةُ أو البعيدةُ مضمرٌ قبل ذلك في القلب فتعلقُ علْمِه تعالى به في حالته الأولى متقدمٌ على تعلقه به في حالته الثانية ﴿ فَيُنَبّئُكُمْ ﴾ عقّب الردّ الذي هو عبارةٌ عن الأمر الممتد إلى يوم القيامة ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ قبل ذلك في الدنيا والمرادُ بالتنبئة بذلك الجزاءُ بحسَبه إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشر فهو وعدٌ ووعيد. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾