قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : أَرَادَ بِهِ أَبَا عَامِرٍ الْفَاسِقَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ قَبْلُ ؛ وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنَادًا وَحَسَدًا لِذَهَابِ رِيَاسَتِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَوْسِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِلْمُنَافِقِينَ : سَيَأْتِي قَيْصَرٌ وَآتِيكُمْ بِجُنْدٍ فَأُخْرِجُ بِهِ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَبَنَوْا الْمَسْجِدَ إرْصَادًا لَهُ، يَعْنِي مُتَرَقِّبِينَ لَهُ، وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْفِعْلِ فِي الْحُسْنِ، أَوْ الْقُبْحِ بِالْإِرَادَةِ، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ الَّتِي تَعَلَّقَ الْفِعْلُ بِالْمَعَانِي الَّتِي تَدْعُو الْحِكْمَةُ إلَى تَعْلِيقِهِ بِهِ، أَوْ تَزْجُرُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا بِبِنَائِهِ إقَامَةَ الصَّلَوَاتِ فِيهِ لَكَانَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمَّا أَرَادُوا بِهِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْهُمْ مِنْ قَصْدِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ كَانُوا مَذْمُومِينَ كُفَّارًا. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾