أَسْقَطَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ مِنْهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَزَادَ غَيْرُهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ صِنْفًا آخَرَ.
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ إسْقَاطَ الْوَاوِ تَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ وَصْفٌ، وَلَنْ يَحْتَاجَ إلَى إضْمَارٍ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ : رُوِيَ ﴿ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كُلُّهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا بِمَسْجِدِ قُبَاءَ، وَجَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَنَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ : إنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَشُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ.
فَلَمَّا نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ رَاجِعًا مِنْ سَفَرِهِ أَرْسَلَ قَوْمًا لِهَدْمِهِ، فَهُدِمَ وَأُحْرِقَ ﴾
.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ ضِرَارًا ﴾ : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : ضِرَارًا بِالْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ لِلْمَسْجِدِ ضِرَارٌ، إنَّمَا هُوَ ضِرَارٌ لِأَهْلِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَكُفْرًا ﴾ : لَمَّا اتَّخَذُوا الْمَسْجِدَ ضِرَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَلَا لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِهَذَا الِاعْتِقَادِ.


الصفحة التالية
Icon