والظاهر في التقابل أن يقال : أم من أسس بنيانه على ضلال وباطل وسخط من الله، ولذا قال في " الكشاف " : المعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة قوية، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه، خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق، الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات والإستمساك.
وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى، لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى، يعني أنه شبه الباطل بشفا جرف هار، في قلة الثبات، فاستعير للباطل بقرينة مقابلته للتقوى، والتقوى حق، ومُنَافِي الحق هو الباطل.
وقوله فانهار ترشيح، وباؤه للتعدية، أو للمصاحبة، فشفا جرف هار، استعارة تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازيّ المراد منها.
فإن قلت لماذا غاير بينهما حيث أتى بالأول على طريقة الكناية والتخييل، وبالثاني على طريق الإستعارة والتمثيل ؟
قلت : التفنن في الطريق رعايةٌ لحق البلاغة، وعدولاً عن الظاهر، مبالغةٌ في الطرفين، إذ جعل أولئك مبنياً على تقوى ورضوان، هو أعظم من كل ثواب، وحال هؤلاء على فساد أشرف بهم على أشد نكال وعذاب، ولو أتى به على مقتضى الظاهر لم يفده، ما فيه من التهويل.
وقولنا : فانهار ترشيح، أوضحه " الكشاف " بقوله : لم جعل الجرف الهائر مجازبعضها. لباطل، قيل :﴿ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ على معنى فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الإنهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنياناً على شفا جرف من أودية جهنم، فانهار به ذلك الجرف، فهوى في قعرها.
السادس : دلت الآية على أن كل مسجد بني على ما بني عليه مسجد الضرار، أنه لا حكم له ولا حرمة، ولا يصح الوقف عليه.
وقد حرق الراضي بالله كثيراً من مساجد الباطنية والمشبهة والمجبرة وسبل بعضها. نقله بعض المفسرين.