فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى أعاد السبب الأول، وهو كون المسجد مبنياً على التقوى، فقال :﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ﴾ وفيه مباحث.
البحث الأول : البنيان مصدر كالغفران، والمراد ههنا المبني، وإطلاق لفظ المصدر على المفعول مجاز مشهور، يقال هذا ضرب الأمير ونسج زيد، والمراد مضروبه ومنسوجه، وقال الواحدي : يجوز أن يكون لبيان جمع بنيانة إذا جعلته اسماً، لأنهم قالوا بنيانة في الواحد.
البحث الثاني : قرأ نافع وابن عامر ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ على فعل ما لم يسم فاعله، وذلك الفاعل هو الباني والمؤسس، أما قوله :﴿على تقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ أي للخوف من عقاب الله والرغبة في ثوابه، وذلك لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا عند هذه الرهبة والرغبة، وحاصل الكلام أن الباني لما بنى ذلك البناء لوجه الله تعالى وللرهبة من عقابه، والرغبة في ثوابه، كان ذلك البناء أفضل وأكمل من البناء الذي بناه الباني لداعية الكفر بالله والإضرار بعباد الله، أما قوله :﴿أمِن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانهار بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ ففيه مباحث :
البحث الأول : قرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر عن عاصم ﴿جُرُفٍ﴾ ساكنة الراء والباقون بضم الراء وهما لغتان، جرف وجرف كشغل وشغل وعنق وعنق.
البحث الثاني : قال أبو عبيدة : الشفا الشفير، وشفا الشيء حرفه، ومنه يقال أشفى على كذا إذا دنا منه، والجرف هو ما إذا سال السيل وانحرف الوادي ويبقى على طرف السيل طين واه مشرف على السقوط ساعة فساعة.
فذلك الشيء هو الجرف، وقوله :﴿هَارٍ﴾ قال الليث : الهور مصدر هار الجرف يهور، إذا انصدع من خلفه، وهو ثابت بعد في مكانه، وهو جرف هار هائر، فإذا سقط فقد انهار وتهور.