ومثله لاَثَ الشيءَ به إذا دار ؛ فهو لاثٍ أي لائث.
وكما قالوا : شاكي السلاح وشائك السلاح.
قال العجاج :
لاثٍ به الأشَاء والعُبْريّ...
الأشاء النخل، والعُبْرِي السِّدْر الذي على شاطىء الأنهار، ومعنى لاَث به مُطِيف به.
وزعم أبو حاتم أن الأصل فيه هاور، ثم يقال هائر مثل صائم، ثم يقلب فيقال هارٍ.
وزعم الكسائي أنه من ذوات الواو ومن ذوات الياء، وأنه يقال : تهور وتهير.
قلت : ولهذا يمال ويفتح.
الثالثة قوله تعالى :﴿ فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ فاعل انهار الجُرُف ؛ كأنه قال : فانهار الجرف بالبنيان في النار ؛ لأن الجرف مذكر.
ويجوز أن يكون الضمير في به يعود على "مَن" وهو الباني ؛ والتقدير : فانهار مَنْ أسس بنيانه على غير تقوى.
وهذه الآية ضربُ مثلٍ لهم، أي من أسس بنيانه على الإسلام خير أم من أسس بنيانه على الشرك والنفاق.
وبين أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها.
والشَّفَا : الشفير.
وأشفى على كذا أي دنا منه.
الرابعة في هذه الآية دليل على أن كل شيء ابتدىء بنيّة تقوى الله تعالى والقصد لوجهه الكريم فهو الذي يبقى ويَسْعَد به صاحبه ويصعد إلى الله ويرفع إليه، ويخبر عنه بقوله :
﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ] على أحد الوجهين.
ويخبر عنه أيضاً بقوله :﴿ والباقيات الصالحات ﴾ [ الكهف : ٤٦ ] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الخامسة واختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ هل ذلك حقيقة أو مجاز على قولين ؛ الأوّل أن ذلك حقيقة وأن النبيّ ﷺ إذ أرسل إليه فهُدِم رؤي الدّخان يخرج منه ؛ من رواية سعيد بن جُبير.
وقال بعضهم : كان الرجل يُدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة.
وذكر أهل التفسير أنه كان يُحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان.