وقال الخازن :
ثم وصفهم الله تعالى فقال ﴿صم﴾ أي عن سماع الحق لأنهم لا يقبلونه وإذا لم يقبلوه فكأنهم لم يسمعوه ﴿بكم﴾ أي خرس عن النطق بالحق فهم لا يقولونه ﴿عمي﴾ أي لا بصائر لهم يميزون بها بين الحق والباطل ومن لا بصيره له كمن لا بصر له فهو أعمى، كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن سماع الحق آذانهم وأبوا أن تنطق به ألسنتهم وأن ينظروا إليه بعيونهم جعلوا كمن تعطلت حواسه وذهب إدراكه قال الشاعر :
صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به...
وإن ذكرت بسوء كلهم أذن. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ٣٦﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه لما كان المعلوم من حالهم أنهم كانوا يسمعون وينطقون ويبصرون امتنع حمل ذلك على الحقيقة فلم يبق إلا تشبيه حالهم لشدة تمسكهم بالعناد وإعراضهم عما يطرق سمعهم من القرآن وما يظهره الرسول من الأدلة والآيات بمن هو أصم في الحقيقة فلا يسمع، وإذا لم يسمع لم يتمكن من الجواب، فلذلك جعله بمنزلة الأبكم، وإذا لم ينتفع بالأدلة ولم يبصر طريق الرشد فهو بمنزلة الأعمى، أما قوله :﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ ففيه وجوه :
أحدها : أنهم لا يرجعون عما تقدم ذكره وهو التمسك بالنفاق الذي لأجل تمسكهم به وصفهم الله تعالى بهذ الصفات فصار ذلك دلالة على أنهم يستمرون على نفاقهم أبداً.
وثانيها : أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، وعن الضلالة بعد أن اشتروها.
وثالثها : أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا خامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون وكيف يرجعون إلى حيث ابتدأوا منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢ صـ ٧٠﴾