ونص بعض المفسرين على ضعف النصب على الذم، ولم يبين جهة الضعف، ووجهه : أن النصب على الذم إنما يكون حيث يذكر الاسم السابق فتعدل عن المطابقة في الإعراب إلى القطع، وهاهنا لم يتقدم اسم سابق تكون هذه الأوصاف موافقة له في الإعراب فتقطع، فمن أجل هذا ضعف النصب على الذم.
فهم لا يرجعون : جملة خبرية معطوفة على جملة خبرية، وهي من حيث المعنى مترتبة على الجملة السابقة ومتعقبتها، لأن من كانت فيه هذه الأوصاف الثلاثة، التي هي كناية عن عدم قبول الحق، جدير أن لا يرجع إلى إيمان.
فإن كانت الآية في معنيين، فذلك واضح، لأن من أخبر الله عنه أنه لا يرجع إلى الإيمان لا يرجع إليه أبداً، وإن كانت في غير معنيين فذلك مقيد بالديمومة على الحالة التي وصفهم الله بها.
قال قتادة، ومقاتل : لا يرجعون عن ضلالهم، وقال السدي : لا يرجعون إلى الإسلام، وقيل : لا يرجعون عن الصم والبكم والعمى، وقيل : لا يرجعون إلى ثواب الله، وقيل : عن التمسك بالنفاق، وقيل : إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، وأسند عدم الرجوع إليهم لأنه لما جعل تعالى لهم عقولاً للهداية، وبعث إليهم رسلاً بالبراهين القاطعة، وعدلوا عن ذلك إلى اتباع أهوائهم، والجري على مألوف آبائهم، كان عدم الرجوع من قبل أنفسهم.
وقد قدمنا أن فعل العبد ينسب إلى الله اختراعاً وإلى العبد لملابسته له، ولذلك قال في هذه الآية :﴿صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾، فأضاف هذه الأوصاف الذميمة إلى ملابسها وقال تعالى :﴿أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾ فأضاف ذلك إلى الموجد تعالى.
وهذه الأقاويل كلها على تقدير أن يكون الرجوع لازماً، وإن كان متعدياً كان المفعول محذوفاً تقديره فهم لا يرجعون جواباً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٢١٦ ـ ٢١٨﴾


الصفحة التالية
Icon