وهذا من التشبيه البليغ عند المحققين لذكر الطرفين حكماً، وذكرهما قصداً حكماً أو حقيقة مانع عن الاستعارة عندهم، وذهب بعضهم إلى أنه استعارة، وآخرون إلى جواز الأمرين، وهذا أمر مفروغ عنه ليس لتقريره هنا كثير جدوى، غير أنهم ذكروا هنا بحثاً وهو أنه لا نزاع أن التقدير : هم صم الخ لكن ليس المستعار له حينئذٍ مذكوراً لأنه لبيان أحوال مشاعر المنافقين لا ذواتهم، ففي هذه الصفات استعارة تبعية مصرحة إلا أن يقال تشبيه ذوات المنافقين بذوات الأشخاص الصم متفرع على تشبيه حالهم بالصمم، فالقصد إلى إثبات هذا الفرع أقوى وأبلغ، وكأن المشابهة بين الحالين تعدت إلى الذاتين فحملت الآية على هذا التشبيه برعاية المبالغة، أو يقال ولعله أولى إن هم المقدر راجع للمنافقين السابق حالهم وصفاتهم وتشهيرهم بها حتى صاروا مثلاً فكأنه قيل هؤلاء المتصفون بما ترى صم على أن المستعار له ما تضمنه الضمير الذي جعل عبارة عن المتصفين بما مر، والمستعار ما تضمن الصم وأخويه من قوله : صم الخ فقد انكشف المغطى وليس هذا بالبعيد جداً، والآية فذلكة ما تقدم ونتيجته إذ قد علم من قوله سبحانه :﴿لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ [ البقرة : ٢ ١ ] و ﴿لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ [ البقرة : ٧ ١ ] أنهم صم عمي، ومن كونهم يكذبون أنهم لا ينطقون بالحق فهم كالبكم ومن كونهم غير مهتدين أنهم لا يرجعون وقدم الصمم لأنه إذا كان خلقياً يستلزم البكم وأخر العمى لأنه كما قيل : شامل لعمى القلب الحاصل من طرق المبصرات والحواس الظاهرة، وهو بهذا المعنى متأخر لأنه معقول صرف ولو توسط حل بين العصا ولحائها ولو قدم لأوهم تعلقه ب ﴿لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ أو الترتيب على وفق حال الممثل له لأنه يسمع أولاً دعوة الحق ثم يجيب ويعترف ثم يتأمل ويتبصر.


الصفحة التالية
Icon