والثاني : من المرفوع في " لا يُبًصِرُون ".
الثاني : النَّصْب على الذَّم كقوله :﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ [ المسد : ٤ ] وقول الآخر :
سَقَوْنِي الخَمْرَ ثُمَّ تَكَنَّفُونِي...
عُداةَ اللهِ مِنْ كَذِبٍ وزُورِ
أي : أذمُ عُداة الله.
الثالث : أن يكون منصوباً بـ " ترك "، أي : صمَّا بكماً عمياً.
والصّمم : داء يمنع من السَّمَاع، وأصله من الصَّلابة، يقال : قناة صَمّاء : أي : صلبة.
وقيل : أصله من الانسداد، ومنه : صممت القَارُورَة أي : سددتها.
والبَكَمُ : داءٌ يمنع الكلام.
وقيل : هو عدم الفَهْمِ.
وقيل : الأبكم من وُلِدً أَخْرَسَ.
وقوله :" فهم لا يرجعون " جملة خبرية معطوفة على الجملة الخبرية قبلها.
وقيل : بل الأولى دعاء عليهم بالصَّمم، ولا حاجة إلى ذلك.
وقال أبو البقاء : وقيل : فهم لا يرجعون حال، وهو خطأ ؛ لأن " الفاء " ترتب، والأحوال لا ترتيب فيها.
و" رجع " يكون قاصراً ومتعدياً باعتبارين، وهذيل تقول : أرجعه غيره "، فإذا كان بمعنى " عاد " كان لازماً، وإذا كان بمعنى " أعاد " كان متعدياً، والآية الكريمة تحتمل التَّقديرين، فإن جعلناه متعدياً، فالمفعول محذوف، تقديره لا يرجعون جواباً، مثل قوله :﴿إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ [ الطارق : ٨ ]، وزعم بعضهم أنه يضمَّن معنى " صار "، فيرفع الاسم، وينصب الخبر، وجعل منه قوله عليه الصلاة والسلام :" لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِب بَعْضُكُم رِقابَ بَعْضٍ ".
ومن منع جريانه مجرى " صار " جعل المنصوب حالاً. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ١ صـ ٣٨٢ ـ ٣٨٤﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( ١٨ )﴾
صم عن سماع دواعي الحق بآذان قلوبهم، بكم عن مناجاة الحق بألسنة أسرارهم، عمي عن شهود جريان المقادير بعيون بصائرهم، فهم لا يرجعون عن تماديهم في تهتكم، ولا يرتدعون عن انهماكهم في ضلالتهم.
ويقال صم عن السماع بالحق، بكم عن النطق بالحق، وعمي عن مطالعة الخلق بالحق. لم يسبق لهم الحكم بالإقلاع، ولم تساعدهم القسمة بالارتداع. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٦٦﴾.