و ﴿الذي استوقد ناراً﴾ مفرد مراد به مشبه واحد لأن مستوقد النار واحد ولا معنى لاجتماع جماعة على استيقاد نار ولا يريبك كون الحالة المشبه حالة جماعة المنافقين، كأن تشبيه الهيئة بالهيئة إنما يتعلق بتصوير الهيئة المشبهة بها لا بكونها على وزن الهيئة المشبهة فإن المراد تشبيه حال المنافقين في ظهور أثر الإيمان ونوره مع تعقبه بالضلالة ودوامه، بحال من استوقد ناراً.
واستوقد بمعنى أوقد فالسين والتاء فيه للتأكيد كما هما في قولهه تعالى :﴿فاستجاب لهم ربهم﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ] وقولهم استبان الأمر وهذا كقول بعض بني بولان من طي في " الحماسة " :
نَسْتَوْقِد النبل بالحَضيض ونَصْ...
طَادُ نُفوسا بُنَتْ علَى الكرم
أراد وقوداً يقع عند الرمي بشدة.
وكذلك في الآية لإيراد تمثيل حال المنافقين في إظهار الإيمان بحال طالب الوقود بل هو حال الموقد وقوله :
﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾.
مفرع على ﴿استوقد﴾.
و﴿لما﴾ حرف يدل على وقوع شيء عند وقوع غيره فوقوع جوابها مقارن لوقوع شرطها وذلك معنى قولهم حرف وجود لوجود أي حرف يدل على وجود الجواب لوجود شرطها أي أن يكون جوابها كالمعلول لوجود شرطها سواء كان من ترتب المعلول على العلة أو كان ترتب المسبب العرفي على السبب أم كان ترتب المقارن على مقارنه المهيأ والمقارن الحاصل على سبيل المصادفة وكلها استعمالات واردة في كلام العرب وفي القرآن.
مثال ترتب المعلول على العلة لما تعفنت أخلاطه حُمَّ، والمسبب على السبب، ﴿ولما جاءت رسلنا لوطاً شيء بهم وضاق بهم ذرعاً﴾ [ هود : ٧٧ ]، وقولُ عمرو بن معد يكرب :
لما رأيتُ نساءنا...
يفحصن بالمعزاء شدا
نازَلْتُ كبشهم ولم...
أر من نزال الكبش بدا
ومثال المقارن المهيأ قول امرىء القيس :
فلما أَجزْنا ساحة الحي وانتحى...
بنا بطن خَبت ذي حقاف عقنقل
هَصَرْتُ بفوْدَيْ رأسها فتمايلت...
عليّ هضيم الكشح ريَّا المخلخَل