وهذا رجوع بديع، وقريب منه الرجوع الواقع بطريق الاعتراض في قوله الآتي :﴿والله محيط بالكافرين﴾ [ البقرة : ١٩ ] وحسنه أن التمثيل جمع بين ذكر المشبه وذكر المشبه به فالمتكلم بالخيار في مراعاة كليهما لأن الوصف لهما فيكون ذلك البعض نوعاً واحداً في المشبه والمشبه به، فما ثبت للمشبه به يلاحظ كالثابت للمشبه.
وهذا يقتضي أن تكون جملة ﴿ذهب الله بنورهم﴾ جواب ( لمّا ) فيكون جمع ضمائر بنورهم وتركهم إخراجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر إذ مقتضى الظاهر أن يقول ذهب الله بنوره وتركه، ولذلك اختير هنا لفظ النور عوضاً عن النار المبتدأ به، للتنبيه على الانتقال من التمثيل إلى الحقيقة ليدل على أن الله أذهب نور الإيمان من قلوب المنافقين، فهذا إيجاز بديع كأنه قيل فلما أضاءت ذهب الله بناره فكذلك ذهب الله بنورهم وهو أسلوب لا عهد للعرب بمثله فهو من أساليب الإعجاز.
وقريب منه قوله تعالى :﴿بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون﴾ [ الزخرف : ٢٢ ٢٤ ] فقوله :﴿أرسلتم﴾ حكاية لخطاب أقوام الرسل في جواب سؤال محمد ﷺ قومه بقوله :﴿أوَلو جئتكم.
وبهذا يكون ما في هذه الآية موافقاً لما في الآية بعدها من قوله تعالى :﴿يجعلون أصابعهم في آذانهم﴾ إذ يتعين رجوعه لبعض المشبه به دون المشبه.
وجوز صاحب " الكشاف " أن يكون قوله :﴿ذهب الله بنورهم﴾ استئنافاً ويكون التمثيل قد انتهى عند قوله تعالى ﴿فلما أضاءت ما حوله﴾ ويكون جواب ( لما ) محذوفاً دلت عليه الجملة المستأنفة وهو قريب مما ذكرته إلا أن الاعتبار مختلف.


الصفحة التالية
Icon