وهذا التمثيل تمثيل لحال المنافقين في ترددهم بين مظاهر الإيمان وبواطن الكفر فوجه الشبه هو ظهور أمر نافع ثم انعدامُه قبل الانتفاع به، فإن في إظهارهم الإسلام مع المؤمنين صورة من حسن الإيمان وبشاشته لأن للإسلام نوراً وبركة ثم لا يلبثون أن يرجعوا عند خلوهم بشياطينهم فيزول عنهم ذلك ويرجعوا في ظلمة الكفر أشد مما كانوا عليه لأنهم كانوا في كفر فصاروا في كفر وكَذب وما يتفرع عن النفاق من المذام، فإن الذي يستوقد النار في الظلام يتطلب رؤية الأشياء فإذا انطفأت النار صار أشد حيرة منه في أول الأمر لأن ضوء النار قد عوَّد بصره فيظهر أثر الظلمة في المرة الثانية أقوى ويرسخ الكفر فيهم.
وبهذا تظهر نكتة البيان بجملة :﴿لا يبصرون﴾ لتصوير حال من انطفأَ نورُه بعد أن استضاء به.
ومفعول ﴿لا يبصرون﴾ محذوف لقصد عموم نفي المبصرات فتنزل الفعل منزلة اللازم ولا يقدَّر له مفعول كأنه قيل لا إحساس بصر لهم، كقول البحتري :
شَجْوُ حساده وغيظُ عداه...
أن يَرى مبصرٌ ويسمَعَ واعٍ


الصفحة التالية
Icon