لطيفة
السر في قوله تعالى ( ذهب الله بنورهم ) ولم يقل : أذهب الله نورهم.
قال ابن القيم :
قال ( ذهب الله بنورهم ) ولم يقل : بنارهم لأن النار فيها الإحراق والإشراق. فذهب بما فيها من الإضاءة والإشراق، وأبقى عليهم ما فيها من الأذى والإحراق، وكذلك حال المنافقين : ذهب نور إيمانهم بالنفاق، وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها، وسمومها ووهجها في الدنيا، فأصلاها الله تعالى إياه يوم القيامة ناراً مؤصدة تطلع على الأفئدة.
فهذا مثل من لم يصبه نور الإيمان بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به، وهو حال المنافق عرف ثم أنكر، وقرأ ثم جحد. فهو في ظلمات أصم أبكم أعمى، كما قال تعالى في حق إخوانهم من الكفار ( الأنعام : ٣٩ ) ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ). وقال تعالى [ البقرة : ١٧١ ] ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " صم بكم عمي فهم لا يعقلون ".
شبه الله تعالى حال المنافقين في خروجهم من النور بعد أن أضاء لهم بحال مستوقد النار، وذهب نورها عنه بعد أن أضاءت ما حوله، لأن المنافقين بمخالطتهم المسلمين وصلاتهم معهم، وصيامهم معهم، وسماعهم القرآن، ومشاهدتهم أعلام الإسلام ومناره، وقد شاهدوا الضوء ورأوا النور عياناً. ولهذا قال تعالى في حقهم ( فهم لا يرجعون ) إليه. لأنهم فارقوا الإسلام بعد أن تلبسوا به واستناروا. فهم لا يرجعون إليه. وقال تعالى في حق الكفار ( فهم لا يعقلون ) لأنهم لم يعقلوا الإسلام، ولا دخلوا فيه، ولا استناروا به، لا بل يزالون في ظلمات الكفر صم بكم عمي.
فسبحان من جعل كلامه لأدواء الصدور شافياً، وإلى الإيمان وحقائقه منادياً وإلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم داعياً، إلى طريق الرشاد هادياً. أ هـ ﴿الوابل الصيب صـ ٧٨، ٧٩﴾