ومعنى من بعد ما تبين أي : وضح لهم أنهم أصحاب الجحيم لموافاتهم على الشرك، والتبين هو بإخبار الله تعالى ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ والظاهر أنّ الاستغفار هنا هو طلب المغفرة، وبه تظافرت أسباب النزول.
وقال عطاء بن أبي رباح : الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة.
قالوا : والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه، ومن هذا قول أبي هريرة : رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له : ولأبيه؟ قال : لا لأنْ أبي مات كافراً، فإن ورد نص من الله على أحد إنه من أهل النار وهو حي كأبي لهب امتنع الاستغفار له، فتبين كينونة المشرك أنه من أصحاب الجحيم تمويه على الشرك وبنص الله عليه وهي حي، أنه من أهل النار.
ويدخل على جواز الاستغفار للكفار إذا كانوا أحياء، لأنه يرجى إسلامهم ما " حكى رسول الله ( ﷺ ) : عن نبي قبله شجه قومه، فجعل النبي ( ﷺ ) يخبر عنه بأنه قال :"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "
ولما كان استغفار إبراهيم لأبيه بصدد أن يقتدى به، ولذلك قال جماعة من المؤمنين : نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم لأبيه، بين العلة في استغفار إبراهيم لأبيه، وذكر أنه حين اتضحت له عداوته لله تبرأ منه ابراهيم.
والموعدة التي وعدها ابراهيم أباه هي قوله :﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ وقوله :﴿ لأستغفرن لك ﴾ والضمير الفاعل في وعدها عائد على إبراهيم، وكان أبوه بقيد الحياة، فكان يرجو إيمانه، فلما تبين له من جهة الوحي من الله أنه عدوّ لله وأنه يموت كافراً وانقطع رجاؤه منه، تبرأ منه وقطع استغفاره.
ويدل على أن الفاعل في وعد ضمير يعود على إبراهيم : قراءة الحسن، وحماد الراوية، وابن السميفع، وأبي نهيك، ومعاذ القارىء، وعدها أباه.


الصفحة التالية
Icon