وقال ابن أبي حاتم، في تفسيره : حدثنا أبي، حدثنا خالد بن خِداش، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن جرَيج عن أيوب بن هانئ، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال : خرجَ رسول الله ﷺ يوما إلى المقابر، فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب، فدعاه ثم دعانا، فقال :"ما أبكاكم ؟" فقلنا : بكينا لبكائك. قال :"إن القبر الذي جلستُ عنده قبر آمنة، وإني استأذنتُ ربي في زيارتها فأذن لي" (١) ثم أورده من وجه آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه، وفيه :"وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، وأنزل علي :﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة". (٢)
حديث آخر في معناه : قال الطبراني : حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كَيْسَان، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله ﷺ لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عُسْفان أمر أصحابه : أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمّه، فناجى ربَّه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا : ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أُحدثَ في أمته شيء لا تُطيقه. فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال :"ما يبكيكم ؟". قالوا : يا نبي الله، بكينا لبكائك، فقلنا : لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال :"لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي
________
(١) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٣٣٦) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (١/١٨٩) من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب به نحوه.
(٢) وأصل الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم (٩٧٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : زار النبي ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. فقال :"استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".


الصفحة التالية
Icon