ولما كان القتل لكونه سبباً للجنة بشارة ووعداً، أكد ذلك بقوله :﴿وعداً﴾ وزاده بحرف الإيجاب فقال :﴿عليه﴾ وأتم التأكيد بقوله :﴿حقاً﴾ ولما أكد هذه المبايعة الكريمة هذه التأكيدات العظيمة، زاد ذلك بذكره في جميع الكتب القديمة فقال :﴿في التوراة﴾ كتاب موسى عليه السلام ﴿والإنجيل﴾ كتاب عيسى عليه السلام ﴿والقرآن﴾ أي الكتاب الجامع لكل ما قبله ولكل خير، وهؤلاء المذكورون في هذه السورة كلهم ممن ادعى الإيمان وارتدى به حلل الأمان، ثم إنهم فعلوا بتخلفهم عن الإقباض وتوقفهم عن الإسراع والإيقاض وغير ذلك من أقوالهم ومساوىء أفعالهم فعل الكاذب في دعواه أو الشاك أعم من أن يكون كذب بالآخرة المشتملة على الجنة أو يكون شك في وعد الله بإيراثهم إياها أو بتخصيصهم بها، وجوز أن يدخلها غيرهم وطمع أن يكون هو ممن يدخلها مع التكذيب، والله تعالى منزه عن جميع ذلك وهو وفي بعهده ﴿ومن﴾ أي وعد بذلك والحال أنه أوفى المعاهدين فهو مقول فيه على طريق الاستفهام الإنكاري : من ﴿أوفى بعهده من الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال لأن الإخلاف لا يقدم عليه الكرام من الناس فكيف بخالقهم الذي له الغنى المطلق.
ولما كان ذلك سبباً للتبشير، لأنه لا ترغيب في الجهاد أحسن منه، قال مهنئاً لهم :﴿فاستبشروا﴾ أي فأوجدوا في نفوسكم غاية البشر يا معاشر المجاهدين ولما ذكره في ابتداء العقد يدل على التأكيد، ذكره في آخر بلفظ يدل على السعة إشارة إلى سعة الجزاء فقال :﴿ببيعكم الذي بايعتم﴾ أي أوقعتم المبايعة لله ﴿به﴾ فإنه موفيكم لا محالة فذلك هو الأجر الكريم ﴿وذلك﴾ أي إيراثكم الجنة وتخصيصكم بها ﴿هو﴾ أي خاصة لا غيره ﴿الفوز العظيم﴾ فالحاصل أن هذه الآية واقعة موقع التعليل للأمر بالنفر بالنفس والمال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٨٨ ـ ٣٩٠﴾