فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما شرع في شرح فضائح المنافقين وقبائحهم لسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، فلما تمم ذلك الشرح والبيان وذكر أقسامهم، وفرع على كل قسم ما كان لائقاً به، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد وحقيقته فقال :﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال القرطبي :(١) لما بايعت الأنصار رسول الله ﷺ ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفساً، قال عبد الله بن رواحة : اشترط لربك ولنفسك ما شئت.
فقال :" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، ولنفسي أن تمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " قالوا : فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا ؟ قال :" الجنة " قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل.
فنزلت هذه الآية.
قال مجاهد والحسن ومقاتل : ثامنهم فأغلى ثمنهم.
المسألة الثانية :
قال أهل المعاني : لا يجوز أن يشتري الله شيئاً في الحقيقة لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملك، ولهذا قال الحسن : اشترى أنفساً هو خلقها، وأموالاً هو رزقها، لكن هذا ذكره تعالى لحسن التلطف في الدعاء إلى الطاعة، وحقيقة هذا، أن المؤمن متى قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فتذهب روحه، وينفق ماله في سبيل الله، أخذ من الله في الآخرة الجنة جزاء لما فعل.
فجعل هذا استبدالاً وشراء.
هذا معنى قوله :﴿اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم بِأَنَّ لَهُمُ الجنة﴾ أي بالجنة، وكذا قراءة عمر بن الخطاب والأعمش.
قال الحسن : اسمعوا والله بيعة رابحة وكفة راجحة، بايع الله بها كل مؤمن، والله ما على الأرض مؤمن إلا وقد دخل في هذه البيعة.
(١) قال مصحح الكتاب :
ولا ندري كيف استطاع الإمام الفخر الرازي (ت ٦٠٦ ه) نقل كلام الإمام القرطبي محمد بن أحمد أبي عبد اللّه (ت ١٦٧١ ه) من تفسيره :
الجامع لأحكام القرآن كما وجدناه في (٨/ ٢٦٧) و(١٤/ ١٥٠) كما تدل على ذلك سنين وفاتيهما، فقد توفي الإمام الرازي قبل الإمام القرطبي بخمس وستين سنة فكيف يستطيع أن ينقل عنه!!.. إلا أن يكون الإمام القرطبي قد عاش (١٠٠) سنة (ولا ندري سنة ولادته من المصادر تحديدا) وأنه يؤلف تفسيره «الجامع» في سن مبكرة في حدود الثلاثين. وهنا أمر نستبعده، وهناك احتمال أن يكون مقصود الإمام الرازي أبو جعفر القرطبي، أحمد بن علي بن أبي بكر بن عتيق، الشافعي، نزيل دمشق (ت ٥٩٦ ه) وهو الإمام المقرئ المحدث نقول : فلعل الإمام القرطبي صاحب التفسير قد نقل عن هذا، وهذا الاحتمال بعيد واللّه تعالى أعلم بالصواب. المصحح.
أقول : ما ذكره المصحح فى غاية البعد، ومن الجائز أن تكون هذه زيادة توضيح من الناسخ. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon