ولما كان هذا قد يراد به الحقيقة، وكان ضيق المحل قد لا يستلزم ضيق الصدر، أتبعه الدلالة على أن المراد المجاز فقال :﴿وضاقت عليهم﴾ بالهم المزعج والغم المقلق ﴿أنفسهم﴾ أي من شدة ما لاقوا من الهجران حتى بالكلام حتى برد السلام ؛ ولما كان ذلك لا يقتضي التوبة إلا بالمراقبة، أتبعه ذلك للتخلف بها قوله :﴿وظنوا﴾ أي أيقنوا، ولعله عبر بالظن إيذان بأنهم لشدة الحيرة كانت قلوبهم لا تستقر على حال، فكان يقينهم لشدة الخواطر كأنه ظن، أو يقال - وهو حسن - : إن التعبير به عن يقين المخلصين إشارة إلى أن أعلى اليقين في التوحيد لا يبلغ الحقيقة على ما هي عليه أن لا يقدر أحد أن يُقدر لله حق قدره - كما قال صدق الخلق ـ ﷺ ـ " لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " وهذا من النفائس فاستعمله في أمثاله ﴿أن لا ملجأ﴾ أي مهرب ومفزع ﴿من الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿إلا إليه﴾ أي بما يرضيه، وهو مثل لتحيرهم في أمرهم، وجواب ﴿إذا﴾ محذوف دل عليه صدر الكلام تقديره : تداركهم بالتوبة فردهم إلى ما كانوا عليه قبل مواقعة الذنب.


الصفحة التالية
Icon