والثالث : أصل التوبة الرجوع، فالمراد ثم تاب عليهم ليرجعوا إلى حالهم وعادتهم في الاختلاط بالمؤمنين، وزوال المباينة فتسكن نفوسهم عند ذلك.
الرابع :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾ أي ليدوموا على التوبة، ولا يراجعوا ما يبطلها.
الخامس :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ لينتفعوا بالتوبة ويتوفر عليهم ثوابها وهذان النفعان لا يحصلان إلا بعد توبة الله عليهم.
المسألة الثانية :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن قبول التوبة غير واجب على الله عقلاً قالوا : لأن شرائط التوبة في حق هؤلاء قد حصلت من أول الأمر.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ما قبلهم ولم يلتفت إليهم وتركهم مدة خمسين يوماً أو أكثر، ولو كان قبول التوبة واجباً عقلاً لما جاز ذلك.
أجاب الجبائي عنه بأن قال : يقال إن تلك التوبة صارت مقبولة من أول الأمر، لكنه يقال : أراد تشديد التكليف عليهم لئلا يتجرأ أحد على التخلف عن الرسول فيما يأمر به من جهاد وغيره.
وأيضاً لم يكن نهيه عليه الصلاة والسلام عن كلامهم عقوبة، بل كان على سبيل التشديد في التكليف.
قال القاضي : وإنما خص الرسول عليه الصلاة والسلام هؤلاء الثلاثة بهذا التشديد، لأنهم أذعنوا بالحق واعترفوا بالذنب، فالذي يجري عليهم، وهذه حالهم يكون في الزجر أبلغ مما يجري على من يظهر العذر من المنافقين.
والجواب : أنا متمسكون بظاهر قوله تعالى :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ وكلمة ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي، فمقتضى هذا اللفظ تأخير قبول التوبة، فإن حملتم ذلك على تأخير إظهار هذا القبول كان ذلك عدولاً عن الظاهر من غير دليل.
فإن قالوا : الموجب لهذا العدول قوله تعالى :﴿وَهُوَ الذى يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ ﴾.
قلنا : صيغة يقبل للمستقبل، وهو لا يفيد الفور أصلاً بالإجماع، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله :﴿إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم ﴾.