إذن : فحين يؤتي الله إنساناً مُلْكاً ؛ نقول : هذا خير وعليك أن تستغله في الخير. وحينما ينزع الله منه الملك نقول له : لقد طغيت وخفف الله عنك جبروت الطغيان، فنزعه الله منك فهذا خير لك. وإن أعزك الله، فقد يعذبك حقّاً، وإن أذلهم الله، فالمقصود ألا يطغوا أو يتجبروا. إذن : فكلها خير. ﴿ تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير... ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ]
ساعة تجد ملكاً عضوضاً، إياك أن تظن أن هذا الملك العضوض قد أخذ ملكه دون إرادة الله، لا، بل هو عطاء من الله. ولو أن المملوك راعى الله في كل أموره لرقق عليه قلب مالكه. ولذلك يقول لنا في الحديث القدسي :" أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيها بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، ولكن أطيعوني أعطفهم عليكم "
وما دام الأمر كذلك، فلا بد أن نعرف أن كل حادثة له حكمة في الوجود.
وإن رأيت واحداً قد أخذ الملك وهو ظالم، فاعلم أن الله قد جاء به ليربى به المملوكين، وسبحانه لا يربي الأشرار بالأخيار ؛ لأن الأخيار لا يعرفون كيف يربون ؛ وقلوبهم تمتلئ بالرحمة ؛ ولذلك يعلمنا سبحانه :﴿ وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً... ﴾ [ الأنعام : ١٢٩ ]
والخيِّر لا يدخل المعركة بل يشاهد الصراع من بعيد، ويجري كل شيء بعلم الله ؛ لأنه سبحانه لم ملك السموات والأرض وهو الذي يحيي ويميت، فإياك أن تُفْتَن في غير خالقك أبداً ؛ لأن الخلق مهما بلغ من قدرته وطغيانه، لا يستطيع أن يحمي نفسه من أغيار الله في كونه ولذلك فليأخذ المؤمن من الله وليّاً له ونصيراً.


الصفحة التالية
Icon