واعلم أن هذه الغزوة تسمى غزوة العسرة، ومن خرج فيها فهو جيش العسرة.
وجهزهم عثمان وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والقول الثاني : قال أبو مسلم : يجوز أن يكون المراد بساعة العسرة جميع الأحوال والأوقات الشديدة على الرسول وعلى المؤمنين، فيدخل فيه غزوة الخندق وغيرها.
وقد ذكر الله تعالى بعضها في كتابه كقوله تعالى :﴿وَإِذَا زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر﴾ [ الأحزاب : ١٠ ] وقوله :﴿لَقَدِ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حتى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ] الآية، والمقصود منه وصف المهاجرين والأنصار بأنهم اتبعوا الرسول عليه السلام في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة، وذلك يفيد نهاية المدح والتعظيم.
ثم قال تعالى :﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : فاعل ﴿كَادَ﴾ يجوز أن يكون ﴿قُلُوبُ﴾ والتقدير : كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ويجوز أن يكون فيه ضمير الأمر والشأن، والفعل والفاعل تفسير للأمر والشأن، والمعنى : كادوا لا يثبتون على اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة لشدة العسرة.
البحث الثاني : قرأ حمزة وحفص عن عاصم ﴿يَزِيغُ﴾ بالياء لتقدم الفعل، والباقون بالتاء لتأنيث قلوب، وفي قراءة عبد الله ﴿مّن بَعْدِ مَا زَاغَتِ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ﴾.
البحث الثالث :﴿كَادَ﴾ عند بعضهم تفيد المقاربة فقط، وعند آخرين تفيد المقارية مع عدم الوقوع، فهذه التوبة المذكورة توبة عن تلك المقاربة، واختلفوا في ذلك الذي وقع في قلوبهم.
فقيل : هم بعضهم عند تلك الشدة العظيمة أن يفارق الرسول، لكنه صبر واحتسب.
فلذلك قال تعالى :﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ لما صبروا وثبتوا وندموا على ذلك الأمر اليسير.


الصفحة التالية
Icon