وقال ابن عطية :
﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾
" التوبة " من الله رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها، فقد تكون في الأكثر رجوعاً من حالة طاعة إلى أكمل منها وهذه توبته في هذه الآية على النبي ﷺ لأنه رجع به من حاله قبل تحصيل الغزوة وأجرها وتحمل مشقاتها إلى حاله بعد ذلك كله، وأما توبته عل " المهاجرين والأنصار " فحالها معرضة لأن تكون من تقصير إلى طاعة وجد في الغزو ونصرة الدين، وأما توبته على الفريق الذي كاد أن يزيغ فرجوع من حالة محطوطة إلى حال غفران ورضا، و﴿ اتبعوه ﴾ معناه : دخلوا في أمره وانبعاثه ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، وقوله ﴿ في ساعة العسرة ﴾، يريد في وقت العسرة فأنزل الساعة منزلة المدة والوقت والزمن، وإن كان عرف الساعة في اللغة أنه لما قلَّ من الزمن كالقطعة من النهار.
ألا ترى قوله ﷺ في رواح يوم الجمعة " في الساعة الأولى وفي الثانية " الحديث، فهي هنا بتجوز، ويمكن أن يريد بقوله ﴿ في ساعة العسرة ﴾ الساعة التي وقع فيها عزمهم وانقيادهم لتحمل المشقة إذ السفرة كلها تبع لتلك الساعة وبها وفيها يقع الأجر على الله، وترتبط النية، فمن اعتزم على الغزو وهو معسر فقد اتبع في ساعة العسرة ولو اتفق أن يطرأ لهم غنى في سائر سفرتهم لما اختل كونهم متبعين " في ساعة عسرة " و﴿ العسرة ﴾ الشدة وضيق الحال والعدم، ومنه قوله تعالى :﴿ وإن كان ذو عسرة ﴾ [ البقرة : ٢٨٠ ] وهذا هو جيش العسرة الذي قال رسول الله ﷺ فيه :" من جهز جيش العسرة فله الجنة " فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف جمل وألف دينار.