وقال عمر بن الخطاب : خرجنا مع رسول الله ( ﷺ ) إلى تبوك فيقيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستقطع وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، وحتى أن الرجل كان يذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستقطع فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع الله قال أتحب ذلك قال : نعم فرفع يديه ( ﷺ ) يرجعا حتى أرسل الله سحابة فمطرت فملأوا ما معهم من الأوعية ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر أسنده الطبري عن عمر.
قوله تعالى :﴿ من بعد ما كان يزيغ قلوب فريق منهم ﴾ يعني من بعد ما قارب أن تميل قلوب بعضهم عن الحق من أجل المشقة والشدة التي نالتهم والزيغ في اللغة الميل.
وقيل : همَّ بعضهم أن يفارق الرسول ( ﷺ ) تلك الشدة التي نالتهم لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما خطر في قلوبهم فلأجل ذلك قال تعالى :﴿ ثم تاب عليهم ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى علم إخلاص نيتهم وصدق توبتهم فرزقهم الإنابة والتوبة.
فإن قلت قد ذكر التوبة أولاً ثم ذكرها ثانياً فما فائدة التكرار؟
قلت إنه سبحانه وتعالى ذكر التوبة أولاً قبل ذكر الذنب تفضلاً منه وتطييباً لقلوبهم ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى تعظيماً لشأنهم وليعلموا أنه سبحانه وتعالى قد قبل توبتهم وعفا عنهم ثم أتبعه بقوله ﴿ إنه بهم رؤوف رحيم ﴾ تأكيداً لذلك ومعنى الرؤوف في صفة الله تعالى أنه الرفيق بعباده لأنه لم يحملهم ما لا يطيقون من العبادات وبين الرؤوف والرحيم فرق لطيف وإن تقاربا في المعنى.
قال الخطابي : قد تكون الرحمة مع الكراهة للمصلحة ولا تكاد الرأفة تكون مع الكراهة. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٣ صـ ﴾