وقال القرطبى فى الآيتين :
﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﴾
فيه ست مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله ﴾ ظاهره خبر ومعناه أمر ؛ كقوله :﴿ وَمَا كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] وقد تقدّم.
"أَنْ يَتَخَلَّفُوا" في موضع رفع اسم كان.
وهذه معاتبة للمؤمنين من أهل يَثْرِب وقبائِل العرب المجاوِرة لها ؛ كمُزَيْنَة وجُهينة وأَشْجَع وغِفَار وأسْلم على التخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تَبُوك.
والمعنى : ما كان لهؤلاء المذكورين أن يتخلفوا ؛ فإن النفير كان فيهم، بخلاف غيرهم فإنهم لم يُستنفَروا ؛ في قول بعضهم.
ويحتمل أن يكون الاستنفار في كل مسلم، وخصّ هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحقُّ بذلك من غيرهم.
الثانية قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ﴾ أي لا يرضوا لأنفسهم بالخفض والدَّعة ورسولُ الله ﷺ في المشقة.
يقال : رغِبت عن كذا أي ترفَّعت عنه.
الثالثة قوله تعالى :﴿ ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ﴾ أي عطش.
وقرأ عبيد بن عمير "ظماء" بالمد.
وهما لغتان مثل خطأ وخطاء.
﴿ وَلاَ نَصَبٌ ﴾ عطف، أي تعب، ولا زائدة للتوكيد.
وكذا ﴿ وَلاَ مَخْمَصَةٌ ﴾ أي مجاعة.
وأصله ضمور البطن ؛ ومنه رجل خميص وامرأة خُمَصانة.
وقد تقدّم.
﴿ فِي سَبِيلِ الله ﴾ أي في طاعته.
﴿ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً ﴾ أي أرضاً.
﴿ يَغِيظُ الكفار ﴾ أي بوطئهم إياها، وهو في موضع نصب لأنه نعت للمَوْطىء، أي غائظاً.
﴿ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً ﴾ أي قتلاً وهزيمة.
وأصله من نِلْت الشيء أنال أي أصبت.
قال الكسائي : هو من قولهم أمرٌ مَنيل منه ؛ وليس هو من التناول، إنما التناول من نُلْته العطية.