وقال أبو حيان فى الآيتين :
﴿ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ﴾
نزلت فيمن تخلف من أهل المدينة عن غزوة تبوك، وفيمن تخلف ممن حولهم من الأعراب من مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار.
ومناسبتها لما قبلها : أنه لما أمر المؤمنين بتقوى الله، وأمر بكينونتهم مع الصادقين، وأفضل الصادقين رسول الله ( ﷺ ) ثم المهاجرون والأنصار، اقتضى ذلك موافقة الرسول وصحبته أنّى توجه من الغزوات والمشاهد، فعوتب العتاب الشديد من تخلف عن الرسول في غزوة، واقتضى ذلك الأمر لصحبته وبذل النفوس دونه.
قال الزمخشري : بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأمروا أن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما يلقاه نفسه ( ﷺ )، علماً بأنها أعزُّ نفس عند الله تعالى وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهون وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيموا لها وزناً، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه، فضلاً أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه، وهذا نهي بليغ مع تقبيح لأمرهم وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية.
قال الكرماني : هذا نفي معناه النهي، وخصَّ هؤلاء بالذكر وكل الناس في ذلك سواء لقربهم منه، وأنه لا يخفى عليهم خروجه.
قال قتادة : كان هذا الإلزام خاصاً مع النبي ( ﷺ ) وجواب النفر إلى الغزو إذا خرج هو بنفسه، ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء.